U3F1ZWV6ZTEyMDM2MzAyMDIxNzM1X0ZyZWU3NTkzNTQwMTA0NTI4

في المراهقة: نحو فهم سليم ج2

في المراهقة: نحو فهم سليم ج2

المراهقة مرحلة تحتاج للتأطير

في المقال السابق (هنا) تحدثنا عن أهمية الوعي بمرحلة المراهقة، وهذا الوعي يمكن أن يتحقق من خلال التقطيع الزمني للمراهقة، ( خلافا لما يظن الكثير من الناس فالمجال العمري للمراهقة يبدأ من سن 8/9) ثم إدراك أنها مرحلة تتأثر بالطفولة، وأيضاً استيعاب التغيرات التي تحدث للمراهق سواء كانت فطرية أو مكتسبة، وأخيرا النظرة الإيجابية للمراهقة وعدم اختزالها في الموضوع الجنسي..
وهذا التذكير سيفتح أمامنا الإشكال الثاني وهو ما هي سمات المراهق واحتياجاته النمائية؟

2. في احتياجات المراهق

إن الحديث عن هذا احتياجات المراهق وسماته النمائية يحتاج التنبيه إلى عدد كبير من التفاصيل، كما يحتاج التمييز بين بعض الجوانب بعضها يرجع للمراهق (نفسي /جسمي /روحي) وبعضها يتأثر بطبيعة الجنس(ذكر /أنثى) وبعضها يتعلق بالمحيط القريب (الأب/الأم /الأخوة) ثم بالمحيط البعيد الأصدقاء والمجتمع... وغيرها من العناصر.

أ. الاستقلالية

 وتعتبر من أبرز التحديات التي تواجه الأسرة في تعاملها مع المراهق، والاستقلالية ترسم حدود كل طرف في التعامل مع الآخر، ولها تأثير وتأثر بعنصر آخر خطير وهو الحرية.
فالاستقلالية ترسم حدود كل من المراهق والأب والأم، على اعتبار أن المراهق يسعى إلى بناء ذاته وشخصيته المستقلة عن الأبوين، وهو بذلك قد يدخل في صراع مرير ظاهر مع الأم ولكنه خفي مع الأب في الغالب.
تعتبر الأم أقرب الناس إلى الطفل فهي تحيط بكل احتياجاته، وكثيرة الارتباط والتماهي معه وهو أمر طبيعي جدا فقد مكث في رحمها 9 أشهر ورضع حليبها لعامين ثم إنها دائمة القرب منه وهو يحاول أن يخطو خطواته الأولى، ترافقه في كل وقت تتابع دراسته وتعلمه كلماته الأولى وتحرص قبل كل أحد على أن تكون كلمة ماما أول ما ينطق... ولكنها فجأة تجد هذا الطفل الاليف المنقاد تجده يبدأ في التحدي والرغبة في التمرد..
طبيعي أن يحدث نوع من الصراع الداخلي عند الأم وهي التي تنظر للطفل على أنه طفل مهما كبر سنه بل وحتى وهو يختار عروسه، إن هذا الصراع بين أحاسيس الأم، يؤثر بشكل كبير على علاقتها بالطفل المراهق، حيث يشعرها بالقلق والخوف، خصوصا حين تستحضر الأزمات التي رسخت في ذهنها عن مرحلة المراهقة (ويتعقد الأمر كلما كانت مرحلة مراهقة الأم صعبة) فهي تشعر بمسؤوليتها في حماية طفلها، وتساءل بشكل مرضي عن مدى نجاحها في إعداد طفلها لمجابهة إعصار المراهقة... إنه صراع نفسي داخلي يغطي على فرح الأم بكبر سن طفلها، ويسيطر عليها الخوف من مستقبل مجهول...
في الجانب الآخر يكون الأب (وهذا حال كثير من الآباء) قد قضى وقتا طويلا بعيدا عن الابن، وتحت إصرار الأم يجد نفسه مجبراً على التدخل لأن الطفل بدأ يخرج عن السيطرة، وهنا يحدث صراع بين الطفل والأب، سببه رغبة المراهق في إثبات الذات، ورغبة الأب في فرض النظام والسيطرة...
إن هذا الصراع قد يتحول من صراع في المواقف والآراء إلى صراع فعلي وجموح قد ينتهى بانسحاب أحد الطرفين وتغلب الآخر عليه وهو وضع غير سليم (انسحاب الأب يقابله جموح المراهق،وتسلط الأب يقابله فشل المراهق وضموره)).
وعليه ينبغي أن يتم الإعداد المبكر للطفل لمرحلة المراهقة، من خلال تدريبه على الحوار والاقتناع بقواعد البيت، وان يعرف كل من الأبوين حدود تدخله، وان يحرص الابوان على الانسجام في تعاملهما مع الطفل والمراهق.
على أن الاستقلالية لا تعني مطلقا أن المراهق ينبغي أن يستقل بشكل تام عن أسرته؟ كلا أنها تعني فسح المجال أمامه ليتخذ قراراته واختياراته في الأمور التي تتعلق به والتي لا تشكل خطراً عليه، على أن هذا التدريب على الاختيار يمكن أن يحسم في وقت مبكر، حين نعلم الطفل قواعد الاختيار في الأمور البسيطة كاختيار اللعب والملابس والوجبات المفضلة. فإذا تقدم في السن يكون قد تعلم القواعد الكبرى للاختيار.
إن ميزة الشخص المراهق أنه يحاول التعبير عن ذاته، وإثبات وجوده، وفرض رأيه ومواقفه...
إن هذا التغيير طبيعي جدا في أي إنسان؛ لأنه ينتقل من مرحلة الطفولة التي يكون فيه مرتبطا بالراشدين، يعتمد عليهم اعتمادا مطلقا في توفير حاجياته، بمختلف أنواع الحاجيات: المادية والنفسية، الى مرحلى الرشد.
وهذا الوضع يتغير تدريجيا بين مرحلة 6 والثامنة من العمر، حيث ستلاحظ أن طفلك يبدأ في التعبير عن رفضه للتوجيهات التي تقدم له، إنه يكسب سلوكا فيه نوع من التحدي تجاه المحيطين به، وعادة ما يتم تفسير هذا السلوك على أنه عناد، ويساء التعامل معه؛ ولأن الطفل لم يصل بعد لمرحلة نمو تخوله الدفاع عن رأيه فإنه يخضع مرغما.
هذه أهم مرحلة ينبغي الانتباه إليها من خلال مستويين أساسين:
* بالنسبة للأم تحديدا: ينبغي أن تدرك -إن لم تكن قد أدركت بعد- أن الطفل يبدأ في تكوين شخصيته المستقلة، فقد أصبح متمكنا من اللغة، وأصبحت هويته الجنسية واضحة في ذهنه (فهو يذرك أنه فتاة أو ولد، ويدرك الفرق بين الجنسين) ويبدأ في بناء هويته الاجتماعية من خلال اختيار أصدقائه وبناء علاقاته الاجتماعية... وهي خيارات ربما قد لا تناسب الراشدين، أو ربما يعتريها نوع من النقص... ولهذا فالام مطالبة هي أيضا أن تعد نفسها لتقبل التغيرات التي ستظهر على طفلها، من خلال الحوار المستمر معه، والسماح له بالتعبير عن مواقفة وأفكاره، وتدريبه على القواعد المعتمدة في بناء العلاقات، والحرص على إقناعه بالطرق السليمة في الاقناع، دون اللجوء لأسلوب الفرض غير المبرر وغير المعقلن... 
أما إذا لاحظت أن طفلك لم تظهر عليه أي تغيرات في سلوكاته ومواقفه.. فإن هذا الأمر يستدعي الحذر والخوف، وينبغي البحث عن سبب هذا الهدوء غير المبرر وغير الطبيعي.
أعدي نفسك لتكوني مقنعة، واستعدي للتنازل عن جزء من المساحة التي تحتلينها في التعامل مع طفلك من خلال ما تقدمينه من توجيهات أو ما تدخلين فيه من اختيارات لطفلك، أو ما تحشرين نفسك فيه (من كل صغيرة وكبيرة)؛ لأن درجة المواجهة مع طفلك ستشتد، وحرصه على فرض أرائه ومواقفه سيزيد، وهذا أمر طبيعي ينسجم ما شرحناه سابقا، فلا تعتبري الأمر سوء تربية وعدم تأدب...
 واحرصي ان تتدربي على الحوار والصبر والاقناع بالاعتماد على الادلة المقنعة، دون الاكتفاء بأن رأيك هو الصحيح لأنك فقط أم أو لانك تعرفين مصلحة طفلك... فالطفل يبدأ في تكوين وبناء هويته المستقلة وينبغي أن تساعديه حتى ولو خالف ميولاتك، لأن الإطار الذي نحتكم له هو القواعد العامة: أي ما لا يشكل ضررا أو خطرا على الطفل وما لا يخالف القواعد العامة الشرعية والعرفية، ولا نحتكم فقط لرغباتنا الخاصة. بمعني اسألي نفسك هل ما يرغب به الطفل سليم؟ وصالح؟ ومفيد له؟
* بالنسبة للطفل: ينبغي أن يدرب على بناء قراراته وتصرفاته وفق قواعد، وأن نشركه في وضع تلك القواعد وفهمها، حتى نتفادى الصدام معه في سن معين، حين يرغب في التمرد على كل القواعد. ولنكن منطقيين: فمن منا سيرغب في الانضباط لشيء او قاعدة او توجيه لا يعلم جدواه ولا يعود عليه بأي نفع؟
من هنا كان التواصل والحوار مهما جدا، والتوجيه للطفل وتدريبه على الحكم وتحمل المسؤولية من الامور التي تُعده بشكل ايجابي لمرحلة المراهقة.

وختاما ينبغي أن نقتنع أن الطفل لا يمكن أن يستمر طفلا طول حياته، وأنه ينبغي أن ينضج في مرحلة من المراحل، وان تكون له القدرة على اتخاذ القرار وتحمل مسؤولية قرارته، فلا يمكن أن ننوب عنه في كل أموره، ولا يمكن أن ندفعه في نفس الوقت الى التمرد علينا بسبب خوفنا المفرط عليه أو بسبب هدمنا لكل القواعد التي ينبغي أن تؤطر حياته.
تعديل المشاركة
في المراهقة: نحو فهم سليم ج2

نفسيتي nafssyati

مدونة تهتم بالصحة النفسية، والدعم والإرشاد النفسي والتربوي، يشرف عليها أخصائيون نفسيون وباحثون تربويون. وتقدم معلومات وتوجيهات علمية موثوقة
تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

إرسال تعليق

مرحبا بارائكم ومقترحاتكم

الاسمبريد إلكترونيرسالة