في المراهقة: نحو فهم سليم ج3
بعد فهم طبيعة مرحلة المراهقة، وتحدياتها، يبقى السؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح هو: كيف أعد طفلي لمرحلة المراهقة؟ لنكن واقعيين: من يحتاج للإعداد؟ هل الطفل فقط أم الأبوين كذلك؟
3. كيف أستعد للمراهقة
أ. أخطاء في فهم المراهقة
حين عرفنا المراهقة قلنا إنها مرحلة من مراحل نمو الإنسان، وغالبا ما تبدأ من وقت مبكر جدا، وهو ما يعبرعنه بمرحلة الطفولة المتأخرة أو المراهقة المتقدمة، والتي تختلف من شخص لآخر، ومن بيئة لأخرى، وقد تبدأ في الغالب بين سن الثامنة (8) أوالتاسعة (9)، وقد تمتد إلى حدود الثانية عشر (12) أو الثالثة عشر (13) سنة.
وفي العادة سنلاحظ أن طفلنا في هذه الفترة قد بدأت تظهرعليه تغيرات في نموه الجسمي (تغيرات فزيولوجيته) وفي تصرفاته وعاداته (تغيرات سلوكية): فهو يميل لإثبات الذات من خلال العناية بجسمه وشكله وهندامه، أو بالعناد والدفاع المستميت على مواقفه وآرائه واختياراته؛ إنه باختصار يخاطبنا قائلا: لقد كبرت.
فالأم بحكم قربها من الطفل، واحتكاكها المستمر بالطفل، غالبا ما تجد معاناة كبيرة في تدبير هذه المرحلة والتعامل مع طفلها؛ لأنها تلاحظ أنها تفقد السيطرة على طفلها شيئا فشيئا، فأوامرها تواجه بالرفض والعناد، والقواعد التي ألفت وضعها طوال السنوات التي مضت تنتهك باستمرار، والصغير الذي كان تضمه لجناحها وتتحكم في كثير من اختياراته صار يتمرد عليها ويدخل معها في مواجهة مفتوحة، وللاسف فإن الأم عادة ما يكون الحل في نظرها هو المزيد من الصرامة والضبط والصراخ والعقاب والعناد...
وعندما تشعر أن أسلوبها لا يجدي نفعا، تلجأ إلى الأب الذي يكون في معظم الحالات بعيدا عن أطفاله؛ بسبب انشغاله المستمر في توفير مستلزمات الحياة، فهو بعيد كل البعد - ليس البعد الجسدي فقط بسبب الغياب (كالسفر أو التواجد في مكان العمل...)، ولكنه البعد المعنوي- لأنه يعتبر أن التربية مسؤولية الأم لوحدها، فهي من تتكلف بالرعاية والتربية والمتابعة المستمرة للأطفال.
والطفل من جهته في تلك المرحلة يكون تحت ضغط رهيب، فهو من ناحية يحس أنه كبير يجب أن يستقل، ويتولى أموره بنفسه؛ ولكنه يصطدم بمعيقات كثيرة تجعله دائما خاضعا وتابعا لقواعد الأسرة والنظام الذي يفرضه الكبار، وهذا النظام يتجسد في سلطة الوالدين خصوصا الأم، وقواعد المجتمع، والثقافة والأخلاق والدين، والعوائق الاقتصادية....
وكل هذه المعيقات تخلق له أزمة نفسية، وتجعل من المرحلة الممتدة بين سن التاسعة (9) والربعة عشر (14) من العمر، كلها مرحلة صراعات وضغوطات على الأسرة والطفل المراهق.
ونحن كمختصين ومهتمين بالتربية نعرف هذه الصعوبات وندركها، ونقدر تلك الضغوطات ونتفهمها بحيث تبدو لنا عادية وطبيعية؛ أما الأسر والأولياء فتبدو لهم مرهقة للغاية، وربما أشعرتهم بفقدان السيطرة وخيبات أمل لا تتصور، وتدخلهم في قلق عميق، وبذلك تبدا أكبر المشاكل في البروز والظهور.
وهنا نجد مشروعية هذين السؤالين ملحة وقائمة متى؟ ومن؟:
1. متى نبدأ في الاستعداد لمواجهة المراهقة؟
2. من يحتاج للاعداد؟ الأسرة أم الأطفال؟
الحقيقة أن مرحلة المراهقة كما سبق وأشرنا هي نوع من الاستمرار لمرحلة الطفولة، فهما معا يلعبان دورا حاسما في بناء شخصية الراشد، وكلما كانت مرحلة الطفولة سوية، وحضرت فيها الأبعاد المختلفة الأساسية في التربية ( الرعاية المادية والوجدانية والروحية والفكرية) بشكل متوازن، وطبعا في مناخ من الحوار والتواصل فعال، مع إظهار التجانس والتماهي والتعاون بين الأبوين في مختلف أدوار الحياة الأسرية؛ كلما كانت فرص دخول الطفل لمرحلة المراهقة سلسة، وبأقل الضغوطات والتحديات.
وغني عن البيان أنه كلما حدث العكس إلا وارتفعت درجت التحديات التي تواجه الطفل في مرحلة المراهقة.
ومن زاوية أخرى لابد من وعي الوالدين بأدوارهم المتكاملة في التربية، وأن يستعدوا للعب دور فعال في مرحلة انتقال أطفالهم لمرحلة المراهقة؛ بحيث يجب أن يلعبوا دور المسهل لعملية الانتقال، لا أن يرتكز دورهم فقط على الضبط والمواجهة، وأن يتفهموا التغيرات التي تقع وأن يعدوا الأجوبة الأنسب للمرحلة، وأن يحرصوا على المزاوجة والملاءمة بين ما يرغبون فيه هم، وبين ما يحتاجه المراهق كشخص يعيش تغيرات غير مسبوقة.
ولعل من أكبر الأخطاء المرتكبة في هذا السياق:
الخطأ الأول: إننا نحرص على أن يستمر طفلنا دائما بنفس الشكل والطريقة التي عهدناه فيه: هادئ ومطيع ومنضبط، ينفذ ما يطلب منه، ويلتزم بالقواعد، يستشيرنا في كل صغيرة وكبيرة، وينفذ رأينا بدون نقاش ولا اعتراض، دمث الأخلاق، قليل الإزعاج... وهذا الأمر غير ممكن ، ولو حدث فإنه أمر خطير على الطفل وعلى الأسرة.
الخطأ الثاني: إننا لا نكلف أنفسنا عناء السؤال والبحث على قواعد التربية السليمة، وهذا ما قد يضعنا أمام احتمالين صعبين وخطرين: فإما أن نترك الطفل ينمو كشجرة في الخلاء ولا نتعهدها بالعناية والتهذيب والتشذيب، فتنمو متوحشة وربما معوجة... وإما أن نبالغ في الضبط والصرامة ونفرض عليه نمطا من التربية لايمت لقواعد التربية السليمة بصلة، فنكون بذلك قد حاصرنا كل مواهبه وومميزاته واستنسخنا صورة من ذواتنا بعقدنا وأخطائنا. والحل هو أن نشتغل على تطوير ذواتنا ومعارفنا حول التربية.
الخطأ الثالث: إننا حين نسمع قاعدة من قواعد التربية، قد نحرص في نفس الحين على تنفيذها دون السؤال عن مصدر تلك القاعدة، أو ذلك النمط من التربية، هل هو ملائم لنا أم ليس ملائما؟ ولو كان ملائما فربما قد يحتاج إلى وقت وصبر ليعطي ثماره، غير أننا نستعجل الثمار، ونرغب في أن نرى النتيجة في يوم أو يومين، وهذا غير ممكن. ولنظهر أن كل القواعد وأنماط التربية قد لا تبدو مناسبة للجميع، وأن تنفيذها ينبغي أن يكيف حسب حالة كل طفل، نذكر مثالين: الأول لشخص ربى ولده على عدم المناقشة والحوار ويفرض عليه آراءه باستمرار، ثم يحدث في يوم من الأيام أن حضر دورة تبين قيمة الحوار وفتح النقاش مع المراهقين، وحين رجع إلى البيت طلب من ابنه أن يناقشه ويحاوره؟ ففاجأه ابنه بكلام جارح؛ فضربه ثم ندم على أنه منحه الحق في الكلام.
والمثال الثاني: إعطاء الحرية المطلقة في اتخاذ القرار لطفل لم يدرب على اتخاذ القرارت ولا يملك ثقة في نفسه، فالأسرة التي لم تدرب طفلها على تحمل المسؤولية واتخاذ القرارت، ثم يحدث أن اكتشفت أن شخصية طفلهم ضعيفة وينقاد لما يطلبه منه زملاؤه، بعد أن منحت له حرية الاختيار، فإن المشكل ليس في قاعدة الاستقلالية والحرية وليس الخلل في الطفل، وإنما الخلل في النمط والطريقة التي طبقنا بها القاعدة.
الخطأ الرابع: استبعاد البعد الروحي في التربية، مع العلم أنه عنصر مهم وحاسم، خصوصا حين نستحضر خصوصية مجتمعنا، والأهداف التي نسعى لتحقيقها عبر التربية، والقواعد التي تتأسس عليها مجتمعاتنا الإسلامية في مجال العقيدة والسلوك. وهنا لا بد من الاشارة إلى أن التربية وسيلة للتنشئة، وتستمد أدواتها من العلم والأبحاث التي ينجزها علما النفس والتربية والاجتماع، ولكنها في الأول والأخير يجب أن تنضبط لسياقنا وخصوصيتنا وهويتنا الفكرية والثقافية. ولذلك لا ينبغي أن نهمل أمورا مهمة في التربية كالدعاء لاولادنا بالهداية والتوفيق والسداد، وأن نحرص على أن يكون مطعمنا وملبسنا ومسكننا حلالا، وأن نحرص على اختيار القدوات التي نقدمها لأطفالنا، وأن نستحضر خصوصيات منظومتنا الاخلاقية والحقوقية.
إن التربية تصور ونمط وفكر، وتختلف حسب كل مجتمع بناء على معتقداته وقواعده وهويته، وكلما كانت المجتمعات محافظة أو تقليدية، كلما كثرت القواعد والضوابط وكبرت معها معاناة التعامل مع المراهقين، وكلما كان المجتمع متحررا كلما كان المراهقين أكثر حرية في بناء ذواتهم ويصبح دورهم أكبر؛ بينما ينحصر دور الأسرة ويتراجع؛ ويبقى التحدي الحقيقي في كلا النمطين هو: ما هو الشخص الذي سنحصل عليه بعد مرحلة المراهقة؟
ب. دائرة المراهق
عندما نتعامل مع المراهق، فإننا نحاول -سواء شعرنا بذلك أم لا- أن نخضعه لسلطتنا، ومعتقداتنا وما نرى أنه الصواب...هذا هو الواقع، أو على الأقل هكذا ينظر المراهق الى علاقتنا به.
يميز المختصون في سيكلوجيا المراهقة بين دائرتين في التعامل مع المراهق:
أ. الدائرة الأولى: تمثل دائرة الأسرة والراشدين والمجتمع، وهي تمثل في العادة كل القواعد الاخلاقية والقانونية والتنظيمية التي تضبط العلاقات، ويتم الاتفاق عليها من قبل كل أفراد المجتمع، ويحرص الجميع على الانضباط لها طوعا أو كرها، وتلك القواعد هي بمثابة السياج الذي يحمي استمرارية المجتمع وتوازنه.
ب.الدائرة الثانية: فهي الدائرة الخاصة بالمراهق، وهي مجتمعه الخاص به، والذي يحاول أن يبنيه لنفسه، ليعيش فيه حياته وتجاربه الخاصة التي تثبت أنه أصبح مستقلا، وقادرا على اتخاذ قراراته بنفسه. إنها دائرة الأقران التي عادة ما تكون في صراع مرير مع دائرة الأسرة.
والمراهق يجد نفسها بين دائرتين تتنازعانه: دائرة الأسرة ودائرة الأقران؛ فإذا كانت رغبة الأسرة تتمثل في إخضاع المراهق، فإن هذا الأخير يحاول بكل قوته أن يتمرد وأن يخلق لنفسه مجتمعه الخاص به يمارس فيه تحرره، مجتمع له لغته الخاصة به، وقواعده وقناعاته وأحيانا قد تكون له معتقداته الخاصة به.
وكلما كانت الهوة شاسعة بين دائرة الأسرة ودائرة المراهق إلا وكانت الأزمة كبيرة ودرجة المواجهة عنيفة.
ولعل من أبرز العوامل التي تساعد في اتساع الهوة بين دائرة الأسرة والمراهق هي فقدان الأسرة لمنهج الحوار والاقناع واللجوء للقمع والضبط المبالغ فيه، وكلما كانت الأسرة قادرة على احتواء المراهق والإنصات له إلا وتحقق التقارب بين الدائرتين.
والثقة من العناصر الفعالة في هذه المرحلة بين المراهق والأسرة؛ لأن فقدان تلك الثقة قد يدفع بالمراهق الى الارتماء دون تفكير واقتناع في براثن الرفقاء، الذين يوجهونه بحكم قربهم منه من حيث السن، وتشابههم من حيث المعاناة والمتطلبات، وبحكم ما يتقاسمونه فيما بينهم من أمور مشتركة كثيرة تغيب عن أذهان الراشدين.
وهنا يصبح لزاما على الأسرة أن تنتقل من الضبط الصارم إلى الضبط المرن، ومن المراقبة المباشرة إلى المراقبة غير المباشرة، ومن الفعل الى ردة الفعل، لتعد المراهق لأداء أدواره بفعالية وتميز.
إرسال تعليق
مرحبا بارائكم ومقترحاتكم