U3F1ZWV6ZTEyMDM2MzAyMDIxNzM1X0ZyZWU3NTkzNTQwMTA0NTI4

الصحة والتواصل

 

 الصحة والتواصل


الصحة-والتواصل


يعتبر موضوع الصحة والتواصل من المواضيع المثيرة للاهتمام والفضول العلمي، ذلك أنهما ينتميان لمجالين مهمين من مجالات العلوم الإنسانية وهما: علم النفس، وعلوم الاتصال.
والبحث في العلاقة بين هذين الموضوعين، هو بحث في المجال المشترك بين مجموعة من العلوم الإنسانية المتقاطعة والتي يعتبر الإنسان جوهرها وبؤرتها، وأهم تلك العلوم علم النفس بفروعه وعلم الاجتماع بفروعه وعلوم الاتصال والطب وغيرها من العلوم.
وتأتي أهمية هذا الموضوع بالنظر إلى كون التواصل جوهر الوجود البشري؛ فهو الموضوع الذي يجسد التفاعلات والعلاقات التي تربطنا مع الآخرين، ونجد فيه إجابات لكثير من القضايا والمشاكل الفردية والاجتماعية، الخاصة والمؤسساتية.
ووفقا لإدموند مارك ليبيانسكي Edmond-Marc Lipiansky فإن موضوع التواصل يمكن اختزاله في أربعة قضايا رئيسية: 
          1.قضايا الهوية:    الرغبة في إنتاج صورة ذاتية معينة وتأكيدها من قبل الآخرين.
          2.القضايا الخاصة: الرغبة في أن يحترم الآخرون خصوصيتنا.                        
          3.القضايا العلائقية: المرتبطة بالمخاطر النفسية والاجتماعية الناتجة عن الاتصال بالآخرين.   
          4.القضايا المخادعة: الرغبة في التأثير على الآخرين، بشكل رئيسي من خلال القوة أو الإغواء.

وتقدم هذه الورقة ثلاثة مناهج رئيسية للتواصل:
  1. المقاربة النظامية / النسقية.
  2. تحليل المعاملات.
  3. التواصل غير اللفظي.

أولا: المقاربة النظامية/ النسقية للتواصل

تفترض هذه المقاربة أن المجموعات البشرية (العائلات، العلاقات المهنية، إلخ) تعمل كنظام؛ وبالتالي فهي تبرز بوضوح من مختلف مقاربات علم النفس الفارقي.

1. بعض المبادئ الأساسية

استلهم علماء النفس المقاربة النظامية – بعض الحرب العالمية الثانية- من إسهامات عالم الرياضيات نوربرت وينر Norbert Wiener ومن النظرية العامة للأنظمة، ويعتبر بول واتزلاويك Paul Watzlawick (1921-2007)، أحد أشهر الممثلين لما يسمى "مدرسة بالو ألتو"، وهي مجموعة من الباحثين في أصل علم النفس النظامي الذي وضع المبادئ الأساسية لـ"منطق التواصل" والمتمثلة في:

§       التفاعل بين مختلف عناصر النظام فأي تعديل لأحد العناصر يستلزم بالضرورة تعديل العناصر الأخرى؛

§       الإصابات الدائرية: يمكن أن يؤدي A إلى B، والذي يمكن أن يؤدي إلى C، والذي يمكن أن يؤدي إلى A؛ 

§       استحالة عدم التواصل: فالفعل الصريح لعدم التواصل هو تواصل؛

§       ترقيم تسلسل الأحداث: فمعظم الصراعات بين البشر تنشأ من حقيقة أن كل شخص يفسر من منظور السببية الخطية. على سبيل المثال، يمكن للزوجين الانغماس في هذا المونولوج: "أنا انسحب لأنك عابس" "لا، أنا عابس لأنك تنسحب"؛

§       التمييز بين الاتصالات التناظرية والرقمية: الأول صريح ورسمي، والثاني غير لفظي ويُعبَّر عنه في شكل إيماءات، وإفادات صوتية، وما إلى ذلك.

§       التمييز بين التفاعلات المتماثلة والتكميلية: الأول يقوم على المساواة ويتبنى الشركاء سلوكًا يعكس بعضهم البعض. أما والثاني فيعتمد على الاختلاف بين الأشخاص (والذي لا يعني بالضرورة الهيمنة، على سبيل المثال في العلاقة بين الطبيب والمريض)؛

§       أهمية ما وراء الاتصالات (التواصل حول التواصل) وهو شرط أساسي للتواصل الجيد.

2. علم النفس المرضي والعلاج وفق المقاربة النظامية

قلبت المقاربة النظامية المفاهيم التقليدية لعلم النفس المرضي؛ فحسب علماء النفس النظامي فالفرد لا يعتبر مريضا؛ بل النظام هو السبب لأن الفرد هو فقط أحد أعراض نظام يتميز بخلل في الاتصالات. علاوة على ذلك، غالبًا ما يكون لاضطرابات المريض دور وقائي لأعضاء الجهاز الآخرين. مما جعلهم يذهبون بعيدًا حين أكدوا أن العلاج لا يتوقف عند علاج الفرد؛ بل لابد من تغيير النظام وإلا أدى ذلك إلى تحويل المشكلة إلى شخص آخر.
يستشهد واتزلاويك بحالات مختلفة لتوضيح وجهة نظره، بما في ذلك حالة ديف، 21 عامًا، المصاب بالفصام لمدة عام، وخلص ملخص البحث التقييمي إلى أن هذا النهج فعال علاجيًا.

تانيا: تحليل المعاملات

اهتم إريك برن (1910-1970) بشكل أساسي بالعلاقة بين شخصين، وتأثر في البداية بالتحليل النفسي، ثم ابتعد عنه تدريجياً، وطور تصوره الخاص الذي هو في نفس الوقت نظرية الشخصية، ونظرية الاتصال والعلاج النفسي.

1. الجوانب الثلاث للشخصية

وفقًا لبرن، فإن للشخصية البشرية ثلاثة جوانب، يسميها الأنا:

  1. الأنا الخاصة بالوالدينمواساة الآخرين، أو بإغراقهم بالحنان (رعاية الوالدين)، أو إلقاء التوجيهات والتوبيخ (الوالد الناقد)
  2. الأنا البالغة: تتسم بالتفكير المنطقي وتسعى جاهدة للتعامل بفعالية مع العالم الخارجي.
  3. الأنا عند الطفل: وتتخذ ثلاثة أشكال:

ü    الطفل الطبيعي (أو الحر) وهو التعبير التلقائي عن الشخصية، يعبر عن مشاعره ورغباته كما يشعر بها، ومنه ينبثق الإبداع والفكاهة والجنس.
ü    الطفل المتكيف يعدل سلوكه تحت تأثير الوالدين؛ إن وجه الشخصية الذي ينحني للقواعد الاجتماعية.
ü    الطفل المتمرد الذي يقاوم السلطة.

2. تحليل الاتصالات الشخصية

يُطلق على أي اتصال بين الأنا وشخص آخر معاملة، ومن هنا جاء مصطلح تحليل المعاملات. وهناك نوعان من المعاملات:

  • المعاملات الموازية (أو التكميلية) تسمح باستمرار التواصل، وهي بشكل عام معاملات "الوالدين والطفل" (مثل العلاقات الهرمية)، والطفل (اللعب، والنكات، وما إلى ذلك)، بالغ - بالغ (حل مشكلة في أزواج، وما إلى ذلك)، والد -والد (انتقاد الآخرين، وما إلى ذلك)؛
  • المعاملات المتقاطعة وتحدث عندما تتقاطع مسارات الأسهم، وهو ما يؤدي عادة إلى قطع الاتصال.

هذا؛ ويتم استخدام تحليل المعاملات في العلاج النفسي، ويتمثل دور المعالج في مساعدة المريض على تحديد طريقة عمله وطريقة أداء المقربين منه (خاصة بين الزوجين)، من أجل تفكيك الأدوار والحفاظ على إرضاء أكثر للجانبين.

تالثا: الاتصالات غير اللفظية

التواصل ليس مجرد حديث؛ فالإيماءات والابتسامات والنظرات ونغمات الصوت تلعب أيضًا دورًا أساسيًا ولها وظائف متعددة: الحفاظ على الاتصال، والتعبير عن حالة الفرد والاعتراف بحالة الآخرين، والدعوة للعب، والعمل، والتهديد، والخضوع، والتهدئة، إلخ.
تم إنجاز الكثير الدراسات في هذا المجال من بينها البحث الذي أجراه هوبرت مونتاجنر Hubert Montagner حول سلوك الأطفال الصغار وسلوك Edward T. Hall حول استخدام الفضاء.

1. لغة الإيماءات عند الأطفال الصغار

يعتبر التواصل غير اللفظي مهمًا بشكل خاص عند الأطفال الصغار جدًا؛ لأنهم لا يتقنون اللغة بالشكل المطلوب. وقد أظهرHubert وفريقه قواعد السلوك في دور الحضانة. وقد توصل إلى أن سلوكيات العرض هي الوسيلة الشائعة الاستخدام والفعالة بشكل خاص لإنشاء أو إعادة الاتصال بالآخرين.

يعتبر الأطفال الذين يظهرون هذا النوع من السلوك في أغلب الأحيان أكثر قبولًا. إذا استجاب الطفل لعمل عدواني بتقديم عرض يوقف العدوان في ثلثي الحالات؛ علاوة على ذلك، فإن الطفل الذي يبكي ويتلقى القربان غالبًا ما يهدأ على الفور.

عادة ما ينتج عن سلوكيات العرض تقليد متبادل أو أنشطة تعاونية في الوقت نفسه، فالطفل الذي يضع رأسه على كتف شخص آخر يتلقى بشكل منهجي، استجابة فورية تتجلى في ابتسامة أو عرض أو كلمات. أما الطفل الذي يميل رأسه وصدره إلى الجانب لا يتسبب في رد فعل الشريك فحسب؛ بل يؤدي أيضًا إلى تقديم عرض من جانبه في أكثر من نصف الحالات. على العكس من ذلك، عندما يضع الطفل يده فجأة للأمام لانتزاع شيء ما، يتم رفضه أو حتى تهديده في 85٪ من الحالات.

2. "المنطقة الشخصية" عند البالغين

يعتمد البالغون أيضًا على قواعد غير لفظية، خاصة بهم في "إدارة" المساحة. يصف إدوارد ت. هول بأنها "مجموعة الملاحظات والنظريات المتعلقة بالاستخدام الذي يقوم به الإنسان للفضاء كمنتج ثقافي محدد".

في الواقع، ودون أن ندرك ذلك، فإننا نطيع مجموعة من القواعد الضمنية المتعلقة بالمسافة بين الأشخاص، والتي تختلف وفقًا للثقافة. يقبل المقيم في حافة البحر الأبيض المتوسط ​​علاقات أوثق بكثير من أي شخص من دول الشمال. يقسم Hall المسافة العلائقية إلى أربع فئات، والتي تنقسم إلى وضعين، القريب والبعيد. البيانات التالية تهم الأمريكيين (قريبة جدًا من الفرنسيين في هذا الصدد):

نوع المسافة

المدى

المحددات

المسافة الحميمة

0-40 cm

لا تمارس في الأماكن العامة، إلا في حال ظرف غير عادي (زحام المواصلات)، ووجود غريب يؤدي إلى عدم الراحة الجسدية

المسافة الشخصية

0.45-1.25m

إنشاء نوع من الفقاعات الواقية التي تهدف إلى عزلنا عن الآخرين وتضع حدود السيطرة الجسدية على الآخرين؛

المسافة الاجتماعية

1.20-3.60m

أقل من 2.10 متر: مسافة المفاوضات الشخصية والعمل المشترك

أكثر من 2.10 متر: يمكن من العمل دون فظاظة في حضور الآخرين، ودون الشعور بالالتزام بالانخراط في محادثة

المسافة العامة

أكثر من 3.60m

تصبح تفاصيل تعابير الوجه غير واضحة في أعين الآخرين، وبعد ذلك يتم ضمان معظم الاتصالات غير اللفظية من خلال الإيماءات والمواقف


خاتمة

هذه مجرد لمحات قليلة من المعرفة التي أنتجها علم نفس التواصل. يتطور هذا التخصص باستمرار ويستمر ظهور نظريات جديدة واكتشافات تجريبية.

المرجع:

هذا المقال ترجمة للموضوع من كتاب:
 Psychologie - Courants, débats, applications .للكاتب Jacques Lecomte 

تعديل المشاركة
 الصحة والتواصل

نفسيتي nafssyati

مدونة تهتم بالصحة النفسية، والدعم والإرشاد النفسي والتربوي، يشرف عليها أخصائيون نفسيون وباحثون تربويون. وتقدم معلومات وتوجيهات علمية موثوقة
تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

إرسال تعليق

مرحبا بارائكم ومقترحاتكم

الاسمبريد إلكترونيرسالة